حتى لا يلتهمهم وحش العزلة.. طرق دمج كبار السن مع العالم الرقمي
حتى لا يلتهمهم وحش العزلة.. طرق دمج كبار السن مع العالم الرقمي
منذ تقدمت التكنولوجيا الرقمية بسرعة، ووصلت إلى ما يزيد على حوالي 50% من سكان العالم، أحدثت تحولًا في المجتمعات، وبات كل شيء من خدمات تجارية وصحية ومهنية يتم عبر الإنترنت، وهو الأمر الذي يواجه معه كبار السن مشكلة للتعامل، ويجعلهم أقرب إلى المنعزلين اجتماعيًا.
وأفادت دراسة بريطانية بأن ما يقرب من نصف كبار السن يشعرون بعدم الارتياح عند استخدام الإنترنت وبالعزلة الاجتماعية، فكيف يمكن إشراكُهم في العالم الرقمي؟
الدراسة التي تناولتها تقارير صحفية، تنص على أنه من خلال تطوير برنامج "هاي ديجيتال" الذي يسعى لمساعدة كبار السن على تطوير مهاراتهم الرقمية، وجد استطلاع بريطاني جديد أن نصف الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما يشكون عدم الارتياح أثناء استخدام الإنترنت.
وخلصت نتائج الاستطلاع الذي شمل نحو ألفي شخص، ممن تبلغ أعمارهم 65 عاما وأكثر، أن 45 بالمئة منهم لا يشعرون بالثقة التامة في الإنترنت، ويفضّل 40 بالمئة منهم القيام بالمهام على أرض الواقع.
وقال الأكاديمي والخبير النفسي حيدر الدهوي في تصريحات إعلامية، إن كبار السن قد يعانون من جفاء حيال العالم الرقمي بسبب تعرضهم لهجوم على أفكارهم عبر هذه الوسائط الذكية، والتي تهدد معتقداتهم وآراءهم وأفكارهم وتصوراتهم، لذلك تنشأ علاقة مبنية على عدم الارتياح وغياب الثقة، بحيث يشك كبار السن أحيانا في المادة المقدمة عبر هذه الوسائط الرقمية، ويعتبرونها ضربا من مغالطة والزيف والخطأ.
كما بين الدهوي، أن كبير السن قد يشعر بحالة من الإحراج والخجل عندما يطلب المساعدة من الآخرين، مثلا في دفع بعض الفواتير عبر البطاقات الممغنطة، بحكم أنه لا يتقن ذلك فيصاب بالإحراج، عدا أن كبار السن في المجتمعات الغربية ممن لم يتزوجوا ولم يرزقوا بأطفال ربما لا يجدون من يساعدهم في الخروج من العزلة الرقمية التي فرضت عليهم عدم إتقانهم المهارات المتعلقة بالعالم الرقمي.
ووفقًا للأمم المتحدة، فإنه بين عامي 2020 و2030، ستزداد أعداد سكان العالم الذين تزيد أعمارهم على 60 عاما بنسبة 34%، ويتجاوز حاليا عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة فأكثر عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وبحلول عام 2050، سيتجاوز عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عاما فأكثر عدد المراهقين والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما.
وفي عام 2050، سيعيش نحو 65% من كبار السن في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
"جسور بوست"، ناقشت متخصصين في كيفية الاهتمام ودمج كبار السن في العالم الرقمي.
إنشاء مجتمعات افتراضية تجمعهم
قالت أخصائية علم النفس الإكلينكي، آية حسين: يمكننا تقسيم كبار السن إلى فئات، هناك متعلمون تعليمًا عاليًا، وهناك أساتذة في الجامعة وهناك من نالوا تعليمًا متوسطًا، وغيرهم لم يحظ بأي قسط من التعليم، فمن يعملون في وظائف تقتضي استخدامهم الإنترنت أو نالوا الحظ الأكبر من التعليم، قادرون على مواكبة بعض وسائل العالم الرقمي، فيمكنهم التعامل مع محركات البحث بينما سيصعب عليهم تفهم موقع "تيك توك"، لكن أصحاب التعليم المتوسط أو من هم أقل تعليمًا فستجدهم مندمجين مع وسائل توفر لهم مادة تتوافق مع مجتمعهم، مثل فيديوهات الدين وجروبات الطبخ وغير ذلك.
وأضافت، بينما الأميون لن يستطيعوا التواصل لصعوبة الكتابة والبحث، بل استخدامهم الموبايل لمجرد المحادثة فقط، ولذلك يمكن استهداف أصحاب التعليم المتوسط ونساندهم من خلال إنشاء مجموعات تعريفية على "واتساب" أو غيرها من وسائل التواصل الافتراضية، بحيث تشكل مجتمعًا يجمع أصحاب تلك الفئة مما يقلل الشعور بالوحدة أو الانعزال.
وتابعت، يجد كبار السن صعوبة في التأقلم على العالم الرقمي لأسباب كثيرة، منها سرعة يتصف بها ذلك العالم لم يعتدها كبار السن، حيث تعلم استخدام الموبايل ودخول الإنترنت بعدما تجاوز الخمسين من العمر، وهي الفترة التي تكون مهارات التعلم لديهم قد انخفضت نسبيًا، كذلك لديهم مهارات راسخة قديمة ومعتادة عن الأشياء واستخدامها، يعتمدون مثلًا على التليفون الأرضي في التواصل أكثر من الهاتف المحمول".
أخصائية علم النفس الإكلينكي، آية حسين
المرونة شرط التعلم
وبدوره، قال أستاذ علم الاجتماع جامعة الأزهر، طه أبو حسين: إن كبار السن متفاوتون، فبعضهم لديه القدرة الصحية والذهنية على مواكبة تغيرات لم تكن موجودة في عصره، ومنهم من يفعل ذلك بمهارة عالية أو متوسطة، وبعضهم يتناول أدوية قد تؤثر في صبره واحتماله صلب جسده على شاشة الكمبيوتر أو مسكه الهاتف المحمول، والعالم الرقمي يحتاج مهارة وخطوات معينة لتشغيله، وبناء عليه هناك من 30 إلى 35 من كبار السن لا يقومون بالأعمال المهارية بأنفسهم، وإنما يقومون بها من خلال مساعدين.
أستاذ علم الاجتماع جامعة الأزهر، طه أبو حسين
وأكد أستاذ علم الاجتماع، ضرورة مساعدة كبار السن بطرق معرفية مرنة وسلسة، يستطيع من خلالها تقبل الأمر وبما يضمن جودة التعامل مع هذا العالم، ويجب أن تكون طرق التعلم لا تشغل مساحة كبيرة من الذهن لأن ذلك يعتبر مزعجًا لهم، ولكبار السن التعامل بالطرق التي تريحهم، فلا يتم الضغط عليهم لإدخالهم هذا العالم، خاصة إذا كانت تتوافر لهم بدائل أخرى اعتادوها وتؤدي الغرض.